حين واجهتني تلك المرأة بسؤالها أحسست بالمباغتة والإندهاش، فقد كنت أرى من أحوال بعض النساء وطريقة تصرفهن ما يترجم الإجابة على هذا السؤال، إلا أنني كنت أستبعد أن تصل هذه الظاهرة إلى أن يكون السؤال هكذا.. فقد بادرتني في حواري معها بقولها: لماذا أشعر في كثير من الأحيان بأن زوجي لا يستحقني؟.
وحين أطلت النظر إليها بعد سؤالها إذا بها تستطرد قائلة: إن هذا الشعور أصبح يزعجني كثيرا، فقد تكررت المواقف التي تثبت أن رأيي أفضل من رأيه، وأن تصرفي غالبًا ما يكون الأصوب.
وتابعت حديثها مؤكدة أن هذا ليس تقييمها الشخصي فحسب، وإنما هي شهادة من يحيطون بهما بأن لها عقلًا راجحًا، وأن عليها ألا تشاوره، وإنما تمضي إلى ما تراه.
وأردفت بحزن كبير: لقد أثر هذا الأمر على علاقتنا كثيرًا، وباعد بيننا جدًا، فأصبحت أشعر بجمود العاطفة بيننا تمامًا، ذلك الجمود الذي ينسحب على معظم تفاصيل الحياة، فلا ادري هل عليَّ حتى تستمر حياتي الأسرية أن أحقر من نفسي، وأبخس حقي وأتصنع الإقتناع بآرائه وتصرفاته، وأحبس إمكاناتي ونشاطي حتى أريه أنني أنضوي تحت جناحه، وأرى الدنيا بعينيه؟ أم أصر على مواقفي وآرائي وليكن ما يكون؟!
* إفتقاد القـــوامة:
تركتني هذه الصديقة الحائرة بسؤالها المر أقلب في أحوال كثير من الفتيات والنساء، فهذه واحدة كثيرا ما تشكو من ضعف التزام زوجها الديني، وأنه بالكاد يؤدى الفروض، وأن نتيجة ذلك اتساع الفجوة بينهما، خاصة مع إنبهارها وكثرة نظرها إلى الشيوخ والدعاة عبر الشاشات، وتنامي شعور قوي بالحسرة داخلها أنها كانت تستحق أحدهم!
وتلك أخرى تعانى كثيرا من أسلوب زوجها في إدارة أي حوار أو حتى المشاركة فيه، وأنها أصبحت تتجنب أن يشاركها الحوارات خاصة العائلية، لأنها إذا تكلمت إستمع لها الجميع، بينما إذا تحدث هو إرتسمت علامات التعجب على الحاضرين!
وهذه ثالثة لا يجمعها لقاء بأحد إلا وتعلن منتشية ومعجبة بنفسها بأنه لولا تدبيرها لأمور حياتها الأسرية وبخاصة الجوانب المادية، لضاعت عائلتها، فهو عليه أن يأتي بالمال، وعليها هي أن تدبر وتتصرف فزوجها لا يحسن التصرف.
ورابعة تبكي كثيرا ويملؤها الندم على زواجها، فهي من أسرة ثرية جدا كما يقولون، أما زوجها فدون المستوى.. لذا فهي لا تجد أي فرحة أو سعادة عندما يحضر لها هدية، فمهما إشترى.. ومهما أحضر لا يرقى إلى ما تعودت عليه، أما الشعور الذي لا يفارقها فهو أن زوجها كان رابحًا بزواجهما، أما هي فباءت بالخسارة!
وهناك تلك الزوجة الشابة التي لم يمضِ على زواجها إلا سنوات قليلة حتى بدأت تتضجر من طريقة زوجها، فهي شعلة من النشاط، تذهب إلى عملها وتتدرج من نجاح إلى نجاح، أما هو -على حد قولها- فكتلة من الكسل، يذهب إلى عمله بصعوبة وتثاقل، ولا يريد أن يبذل أي جهد ليرتقى بمستواه، ولا يمل من الجلوس أمام التلفاز بالساعات.
أما هذه المرأة البائسة التي لا تكف عن العويل والشكوى من أن زوجها لا يلتفت إليها، وأن مشاعرها وأحاسيسها الجسدية والعاطفية أعلى بكثير من زوجها، وأنه لا يلبى إحتياجاتها.. بل إنها كلما حاولت أن تلفت نظره إلى ذلك لا يبالي بها حتى فقدت إعجابها به، وملأها الشعور ببروده وبعده عن الرومانسية التي تتوق إليها، وعندما فإجأها بزواجه الثاني، أصبح لسان حالها: رضينا بالهم ولم يرضَ الهم بنا!.
ومع رؤية الفتيات لتلك الحالات لم يعد الزواج حلمًا وأملًا جميلا، بل قرار محفوف في كثير من الأحيان بالمرارة والعذاب.
* أيـــن الخلل؟
ولكن نظرة أعمق لمعظم هذه الحالات والتي تكاد تصل إلى ظاهرة عدم رضا المرأة بزوجها، وإفتقادها لإحساس القوامة والإحترام والتقدير، نجد أنها بلا شك نتاج غرسنا.. فهؤلاء الأزواج والزوجات هم أبناء لأسر ضاعت فيها معايير القوامة، وتوزيع المسؤوليات على أصحابها، فأصبح عندنا أولادًا تربوا على أن الأمهات يتحملن كثيرا من الأعباء المادية، بل الطبيعي أن تخرج الأم للعمل كسب المال..وأصبح عندنا فتيات تربين على أيدي تلك الأمهات وتشربن شعورًا بالنقمة والإرهاق، يولد إحساسًا متزايدًا بأن عليهن كسب سلطات وتولي أمور وإن كانت لا تتناسب مع طبيعتهن، فلتنتكس الفطرة، ولتتغير الطباع، وليزيد إحساس الشقاء.. المهم أن تحقق المرأة ذاتها وشخصيتها خارج بيتها ولو على حساب مسؤوليتها الأصلية.
وتفتحت عين الصغيرة على صورة تلك الأم، ورأت متاعبها وكثرة شكوتها وتماديها في تدليل ابنها ظنا منها أنها بذلك تصنع منه رجلا عظيما، وإذا بها تخرج رجلا يستمرئ تعب النساء من حوله ويرتع في أنانيته حتى وإن كان بداخله قد رفض الدور الذي قام به أبوه إلا أنه سرعان ما شابهه حين صار زوجا وأبًا.
* عودة السعادة الزوجية
تلك نظرة تحليلية ولكنها جزئية، فلا أحد ينكر على النساء دورهن في تقدم المجتمع، وحقهن بل واجبهن في ممارسة الأنشطة والعمل النافع، ولكن هذا كله يجب أن يكون في إطار الصبغة الإسلامية، ووفق القوانين الإلهية والتي منها:
1= أن الله سبحانه خلق الزوج والزوجة ليكون بينهما تكاملًا لا صراعًا وتنافسًا على الأدوار.
2= هو عز وجل القائل: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف:32]، فعلى كل من الزوجين أن ينظر فيما فضل الله الآخر فيه ليستفيد من هذا التفضيل في إدارة الحياة الزوجية ويرجع الفضل إلى الوهاب.
3= أداء كل من الزوجين مسؤوليته على الوجه الذي ينجيه عند الحساب، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
4= حرص الأهل على حسن إختيار زوج البنت، ومراعاة الحكمة في إختيار زوجة الابن.
5= زرع القيم الحقيقية في نفوس الأبناء والتي مدارها على قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
6= إدراك أن الحياة الزوجية حياة كاملة ترتبط بغالب سنوات العمر لذلك ففيها التقلبات المتعددة، فلا تحكمى أيتها الزوجة عليها في مرحلة معينة، بل عليكِ بذل الجهد لإنجاح حياتك، وتفقدي مواضع الصبر ومواضع الشكر.
7= أيتها الزوجة الفاضلة تريد الأمة الإسلامية تنشئة رجال ونساء قادة أقوياء أصحاء يحملون الراية، وهذا دورك بلا شك.. فاجعليه همك الأول، ولا تنغلقي في مشاعر شخصية ضيقة.. أعانك الله ووفقك.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.